mardi 24 décembre 2013

من انجاز الأستاذ فيصل خضر – معهد مكثر – جميع الحقوق محفوظة ®








الجمهورية التونسية - وزارة التربية

المندوبية الجهوية بسليانة: معهد مكثر


مشروع مقال فلسفي




هل من المشروع الخوف من العولمة؟

* لحظة التمهيد:

ما انفكت الإنسانية , منذ قيامها , تبحث عن مقومات الوجود الحق , الذي يضمن الخير و السعادة لجميع البشر , و ما حلم المدينة الفاضلة إلا انعكاس لهذا السعي , و تعتبر العولمة في عصر الراهن , و في نظر الكثيرين سبيل الإنسان لإقامة جنته الموعودة .

* لحظة الاشكلة:

فهل من مبرر للخوف من العولمة و اعتبارها شرا متربصا بالإنسان , أم أن العولمة تعكس مشروعا إنسانيا بامتياز ؟

* لحظة التحليل:

يمكن أن نشير في فاتحة هذا التحليل إلي انقسام في المواقف من العولمة , حيث تشرع بعض المواقف إلي الخوف من العولمة و تميل أخرى إلي الخوف على العولمة , و من هنا يمكن التمييز بين موقفين , موقف يحذر من العولمة و يصورها في هيئة وحشية و موقف يرى قرى فيها خلاصا للإنسانية من التفتت و التشظي و التخلف و الرجعية.

بالعودة إلي الموقف الأول الذي لا يرى في العولمة إلا دلالة سالبة , و تقنية متوحشة و خطابا عنيفا , نجحت في تحويل العالم إلي قرية مسكونة بالأشباح , فهذا الموقف الرافض و المناهض للعولمة , لا يرى فيها إلا خطرا , متربصا بالإنسان , محدقا بهويته وماهيته , التي تفلت من كل قطيعية و كل انتماء شكلاني لا يعكس ماهيتها و طبيعتها التي تقوم على التنوع و الاختلاف , حيث التنوع العرقي و الديني و الثقافي و اللغوي و حتى الجسدي. فما هي مبررات هذا الخوف , و إلي أي حد يكون من المشروع الخوف من العولمة؟

في ذكر العولمة تتراءى لنا عديد المفاهيم التي تشكل مصدر الخوف, ففي ذكر العولمة نستحضر الهيمنة و التعدي على حقوق الآخرين في التمتع بهوية مستقلة , إذ لا تعدو أن تكون العولمة سوى مجرد غطاء إيديولوجي , تتستر تحته أنظمة كليانية و شمولية ليس لها من غاية , إلا السيطرة على العالم ( سيطرة سياسية , و اقتصادية , و إعلامية ) لتتحول في الأخير إلي سيطرة ثقافية , و تحت ذريعة المواطنة العالمية و باسم القرية العالمية , تنتهك الخصوصيات و تمرغ الهويات , و يبلغ العداء للمختلف ذروته , حيث لا يرقى هذا الأخير إلا إلي مرتبة العدو و الداء الذي ينبغي استئصاله .

و انطلاقا من ذريعة التفوق العرقي , و الانتصار الثقافي , سعت الحضارة الغربية إلي تنميط و نمذجة الهويات, التي تعتبر غريبة عن العالم الغربي ,و ذلك عبر تهميشها و تهشيمها , بكل الوسائل والتقنيات المعلنة وغير المعلنة , تتراوح بين سلطة اللغة و لغة التسلط و الهيمنة, بين إغراء الصورة و وحشية المشهد , بين حلاوة العقيدة ( التشدق بتسامح الاديان) و الاعتداء على المقدس ( الصور المسيئة للرسول و تدنيس المصحف الشريف ), حيث نجحت في اختراق الخصوصي من الهويات و من ثمة صهرها , لتنفرز نموذجا واحدا للهوية , هوية مقوماتها الإباحية و السوق.

" ان العولمة تؤسس لديانة توحيدية كونية جديدة هي ديانة السوق".على حد عبارة غارودي.

فباسم الوحدة المزعومة , و تحت قناع الكونية الانسانية , تتحول المقدسات إلي مدنسات , و تستحيل دور العبادة (الجوامع مثلا) الي ملاهي و اللغة الي لعنة , و الهوية الي تهمة , فيصبح الاسلام مثلا عنوانا للارهاب , و لا خلاص الا بالانظواء تحت العولمة , حيث الحروب و الفتوحات ترسم ملامح "كونية وحشية" تتعدى على المختلف و تنتصر "للواحد الاحد" اي النظام العالمي الجديد.

ان العولمة بهذا الشكل , فاقدة للبراءة و المشروعية , حيث تبرر للهيمنة, فالعلاقة الدموية بين "السيد و العبد " , التي نجد جذورها في فلسفة هيغل و " الانا" التي تكاد تنفجر من فعل التظخيم و الادعاء و التي نعثر على جذورها في الفلسفة الديكارتية , تشكل الخلفية الفلسفية لكل دعاة العولمة. " ان الكونية الغربية خطرة على بقية العالم , لانها قد تكون مصدر حرب بين الدول المشعة في حضارات مختلفة".(هنتنتغون).

ان اسطورة العولمة على هذا النحو , تمثل تهديدا مباشرا للانسانية , من خلال تهديد ثرائها و تنوعها, فالغرب " كحضارة مريضة " , تتخبط في الانحطاط , حيث تعرضت مثله الانسانية العليا الي التفكك والانحلال , لا يقوم الا على مبدا الهيمنة و التعدي و هو ما تعكسه الحروب , التي يشنها هذا الاخير , تحت ذرائع زائفة ( نشر الحرية , الديمقراطية , القضاء على الارهاب ), و ما يغنمه فقراء العالم و ضعفاؤه , نتيجة سةء توزيع الثروة , ليس الا مزيدا من الفقر و كثيرا من الشعور بالدونية. فزمن الحداثة والعولمة , لم يزد الانسانية الا بؤسا وشقاءا , حيث تشير النتائج الي تزايد الجياع يوما بعد يوم ( مليار جائع في العالم) , و ذلك افراز حتمي لوحدانية السوق , المفروضة بحكم الهيمنة الامريكية.

بالاساطير اذا و في الاساطير , تصبح الارض المغتصبة ارضا موعودة و الحق يتحول الي باطل , وينقلب العدل الي جور , ففي الوقت الذي يموت فيه ملايين البشر جراء الجوع المفتعل و المرض المفتعل ( انفلونزا الخنازير ) يقيم الانسان المتحضَر سباقا للضفادع او عيد ميلاد احد الكلاب , فسحقا لانسانية , تخلت عن انسانيتها, انسانية الجنون و الجوع و الانحطاط. " الواقع ان الكوني يهلك بالعولمة , و عولمة التبادلات تضع نهاية لكينونة القيم , انه انتصار الفكر الوحيد على الفكر الكوني"., على هذا النحو تحسس بودريار خطر العولمة.

بهذا المعنى تتحول "العولمة" الي كابوس مرعب , و الي شر محتمل , ينذر بافول الانسان و محو اثاره من على وجه البسيطة, فليست العولمة الا انتاج جديد , "لحالة الطبيعة" في حلَة مغايرة , حيث القوانين المفتعلة , تبرر و تشرع للاعتداء , اعتداء القوي على الضعيف, و هذا ما نراه جليا في علاقة "الغرب" "بالشعوب الاخرى" , فالعقلية التي تحرك "الانا الغربي" في علاقته "بالاخر المختلف" , ليست الا علاقة عدائية , تضمر في باطنها , مفهوم الابادة و نزعة صادية , تدميرية , تعكس مدى "وحشية اللاشعور الغربي " , الاناني و المتغطرس.



لكن الا يمكن ان نعثر في العولمة , كفكرة , على اثار انسانية ننشدها ؟ و هل من العدل ان لا نرى في العولمة , الا صورة موحشة ونظرة قاتمة ؟ الا يمكن ان تكون هذه الاخيرة عنوان كونية انسانية حقيقيَة ؟



ان التشريع الي الخوف من العولمة , قد يخفي تشريعا في غاية الخطورة , و هو القبول بالهيمنة و العنف , كمبدا يقوم عليه التلاقي الانساني الكوني , و كذلك التاكيد و المصادقة على مقولات زائفة , مثل التفوق العرقي , و التفوق اللغوي , و التفوق الفكري و بالتالي الحضاري , و القبول بالفكرة القائلة بان هناك شعوب متحضرَة و اخرى متوحشة و متخلَفة.

ان الخوف من العولمة قد يكون مدخلا للصمت عن كل الخروقات و الانتهاكات , في حق الانسانية , لتكون "المواجهة" , هي خير سبيل لاسترداد ما ضاع , و ليس المقصود من المواجهة , هي العولمة , و انما الاشباح التي تتخفى وراءها , و لا تكون المواجهة عبر العنف و الاعتداء , بل المواجهة من خلال استرداد الهوية التي سلبت و القيم التي انتهكت و لن يكون ذلك الا من خلال صحوة فكرية واعية.

ساعتها فقط يمكن ان نزيل التناقض بين العولمة و الكونية و الذي أسَست له ايديولوجيات مريضة , نايعة عن نفوس مريضة , و عقول مختلة , يحركها في علاقتها بالمختلف , جنون العظمة و حب الغلبة , و كره جامح للانسانية , حيث نجحت هذه النفوس , في تحويل وجهة العولمة , و افرغتها من معانيها الانسانية , و هو ما شرَع للخوف منها و النَأي بالنفس عنها.

فالعولمة قد تتحول الي نعمة انسانية , و فضيلة اخلاقية , اذا ما تم استثمار التطور التقني و الذي من شانه ان يؤكد , معاني التلاقي و التواصل , على قاعدة الاختلاف و التنوع و لا على قاعدة المشابهة واللاتمايز. لتصبح العولمة نقطة مظيئة في تاريخ الانسانية الحديث , و تستحيل العولمة الي كونية انسانية , كونية القيم و المثل الانسانية العليا , و تتأسس بذلك على بعد ايتيقيي , ينقلنا من حيز الفردية و الانعزال و الخوف و من حيز الانانية و التعصب و العداء الي حيز الكونية , حيث نجد انفسنا في فضاء تعددي و مختلف , ليكون اللقاء الانساني , لقاء المعرفة و التعارف و الاعتراف , لقاء الثَراء و التبادل , لقاء الحوار , حوار الندَية , و ليس حوار الاملاءات. فالتواصل الحقيقي و كما اكد على ذلك هبرماس " الذي يصل الي حد تفاهم المشاركين فيه و اجماعهم , اجماعا عقليا يفترض ذات مسؤولة صادقة و ذات مصداقية".



* لحظة النقد:

نحن في حاجة الي عقلانية مركبة , تستبعد كل اطروحات الاستعلاء و تشهَر بالعقول الاختزالية , عقلانية قادرة على استيعاب التناقضات الانسانية , باعتبارها , تناقضات موضوعية , منها الطبيعي و منها التاريخي و منها الفكري , فمن يعارض التنوع و الاختلاف , فهو يعارض فطرة الوجود , و كذلك نحن في حاجة الي مزيد تاكيد و تجذير عقلانية تواصلية , نستعيض بها عن العقلانيات الاداتية , المشوَهة لكل تعقل انساني , لتصبح العولمة و التي ليست الا وجه من وجوه الكونية, خير يعود بالنفع على جميع الانسانية , و تزول بذلك كل هواجس الخوف.



* لحظة صياغة الخاتمة:

رغم الفوارق و الاختلافات الموجودة بين البشر, فهي فوارق طبيعية املتها طبيعة وجودهم , الا ان هنالك ما يسمح بالتوحيد بينهم , و هو انتماؤهم للانسانية , حيث وحدة النوع , و وحدة التطلعات , و وحدة المصير , و وحدة المخاطر , ليكون الخوف شعور موحَد للانسانية بامتياز.





.لست أنت إلا أنت ,لست أنت إلا ما صنعت....


سليانة في 02/08/2011

و الله و لي التوفيق












lk hk[h. hgHsjh` tdwg oqv – lui] l;ev [ldu hgpr,r lpt,/m ®







via منتديات دريكيمو نات DRIKIMO.NET http://www.drikimo.net/showthread.php?t=11172&goto=newpost

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire