عَنْتَــــرة العَبْســي
525 ـ 615 م
525 ـ 615 م
المهندس جورج فارس رباحية
هو عنترة بن شدّاد وقيل ابن عمرو بن شدّاد وقيل عنترة بن شدّاد بن عمرو بن معاوية بن قواد ( وقيل قراد بالراء ) بن مخزوم بن ربيعة وقيل مخزوم بن عوف بن مالك بن غالب بن قطيعة بن عبس بن بغيض بن الريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيـلان بن مضر . وله لقب يُقــــال له ( الفلحاء ) لوجود فلح أي شقّ في شفته الســـــفلى ، وُلَقّب أيضاً ( بأبي المغلس ) لسواده والغلس جمع أغلاس وهو ظلمة آخر الليل . ويُقال له : بأبي أوفى ، بأبي عبلة وبعنترة الفوارس ، وكلمة عنتر هو نوع من الذباب وإن كانت النون فيه زائدة فهو من العَتْر ، والعَتْر يعني الذبح . وكلمـــة العنترة : تعني السلوك في الشدائد والشجاعة في الحرب . وجدير بالذكْر أنّ اســم عنترة ورد في معلّقته في مكانين بحذف التاء المربوطة وذلك في قوله :
ولقدْ شَفى نفْسي وأبْرَأ سُقْمَها ***** قيل الفوارسِ وَيكَ عَنْتَرَ أقْدِمِ
يدعونَ عنْتَرَ والرِّمـاحُ كأنّها ***** أشـــطانُ بِئْرٍ في لَبانِ الأدْهمِ كانت أمّه أمَةٌ سوداء حبشية مسيحية الديانة ( قيل اسمها تاتا ابنة ميجو ) ويُقال لها زبيبة ســـباها أبوه في إحدى غزواته فأنجبت له عنترة أســـــود اللون من جهة أمّه وكان لها وُلْدٌ عبيد من غـير عنترة وكانوا إخوته لأمّه ، وكانت العرب تُعَيّره بذلك بدليل ذلك قوله :
يُعيبون لوني بالسّــــواد جهــالةً ***** ولولا سواد الليل ما طلع الفجرُ
وإن كان لوني أسوَداً فخصائلي ***** بياضٌ ومن كفيَّ يستنزل القطرُ
ولمّا كثرت الأقاويل في ذلك قال يشرح حاله بهذين البيتين :
لَئن أكُ اسوداً فالمسك لوني ***** وما لســـواد جلدي من دواءِ
ولكن تبعد الفحشــــاءَ عنّي ***** كبعد الأرض عن جوّ السّماءِ
وها هو عنترة نفسه يُحدّثنا في شعره عن أمّه وأنّها من آل حام فقال :
إِنِّي لَتُعْرَفُ في الحُروبِ مواطِني ***** في آلِ عبْسٍ مَشْهَدي وفِعالي
مِنْهُــــمْ أبي حقَــــا فهُمْ لي والـــدُ ***** والأمُ من حـــامٍ فهم أخــوالي
بعد الرجوع للعديد من المصادر تم التأكّد من أنّ عنترة حضر حرب داحس والغبراء (1) بــين عبس وذبيان وشارك فيها من أول يوم الذي سُمّي يوم المريقب ( من أيام العرب ) حتى آخر يوم فيها الذي سُمّي بيوم شعواء وقد دامت الحرب 40 عاماً حيث بدأت حــــوالي منتصف القرن 6" الميلادي أي بحدود550 ـ 555 م وانتهت قبل نهاية القرن الســـادس بين 590 ـ 595 م وأنّ عنترة كان عمره يقرب من 30 عاماً عند بدء الحرب فولادته كانت بين أعـوام 520 ـ 525 م
كانت العرب في الجاهلية إذا كان للرجل ولد من أمَةٍ استعبده ويبقى على العبودية حتى تُرْفَع عنه باعتراف الوالد . كان أبوه ينكره ولا ابناً له أنفة منه لكونه ابن أمَةٍ فكـان عنده بمنزلة العبيد يرعى الإبل والغنم مع العبيد وهو يأنف من ذلك ،فانطلق يرعى وباع منها ذوداً واشـترى بثمنه سيفاً ورمحاً وتُرْساً ودرعاً ومغفراً ودفنها في الرمل وكان له مهر يسقيه ألبان الإبـل ، حتى أغار بعض الأحياء من طيّ على بني عبس وكانت منازل عبس يومئذٍ بأرض الشــربة والعلم السعدي ( هو مكان بأطراف نجد على حدود بلاد الحجاز بين مكة ويثرب ) فأصابوا منهم وقتلوا أنفــاراً من الحيّ وسبوا نساءً كثيرة ، وكــــان عنترة مُعتزلاً عنهم فتقاعد عن المُدافعة حتّى مَرَّ به أبوه فقال : ويك يا عنتر كرّ ، فقال عنترة : العبد لا يُحسِن الكرّ وإنّما يُحسِن الحَلب والصَرّ فقال أبوه : كرّ وأنت حُرّ ، فَكرّ وهو يقول :
كلُ امرىءٍ يحمي حِره ***** أســـودَهُ وأحمَــــرَهْ
والوارِداتِ مِشْفَرهْ
وما زال به حتى ثار في أوجه القوم وهبّت في إثــره رجال عبس فهزم السرية المغيرة وردَّ الغنائم والسبايا التي اكتسبها القوم . فاشتهرت شجاعته بين العرب من ذلك اليوم .
كان عنترة أحسن العرب شيمة وأعلاهم همّة وأعزّهم نفْساً ، وكان مع شدّة بطشه حليماً كريماً شديد النخوة لطيف المحاضرة رقيق الشعر ، لا يأخذ مأخذ الجاهلية في ضخامة الألفاظ ونفورها وكان بصيراً بأساليب الشعر وفنونه وحسن التصرّف في المعاني ويتّصف بالخلق الكريم والعفّة السامية والشجاعة الفذّة والبطولة الرائعة ، وكثيراً ما يتوقّف الإنسان عند قوله :
وأغضّ طرفي ما بدت لي جارتي ***** حتى يُواري جارتي مأواها
أو قوله :
أغشى فتاة الحيّ عند حليلها ***** وإذا غزا في الحرب لا أغشاها
وهذا ما يسعنا ننظر في واقعنا ، وحياة شبابنا اليوم فيتملّكنا العجب العجاب ، أيعفّ ذلك الجاهلي ونركب نحن متن الدنيّة ؟
نشأ عنترة بتعلّم فنون القتال والتمرّس عليها وقد أورثه هذا التمرّس خبرة استخدمها في حروبه مع أعدائه وأكسبته شهرة عظيمة وجعلت منه فارساً مرمــــوقاً يتحدّث عنه وتُضْرَب بشـــجاعته الأمثال . وكانت حروب داحس والغبراء بين قبيلتي عبس وذبيان ، الميدان الفسيح الذي ظــهرت فيه فروسيته وشجاعته ، وليس هذا غريباً فشاعرنا من فرسان فبيلة عبس المعدودين الذين دافعوا عن وجودهم كما دافعوا عن قبيلتهم . عاش عنترة على نصرانيته كما جاء في مصادر كثيرة وباعترافه بأمر الله وقدره فقـــــــال في إحدى قصائده :
إذا كــــان أمــــر اللهِ أمْرا يُقــــدّرْ ***** فكيفَ يفِرُّ المرءُ منه ويحْذرُ
وَمَنْ ذا يردُّ الموْتَ أو يدفع القضا ***** وضرْبَتْهُ محتومةٌ ليسِ تعبرُ
لقد هانَ عنـــدي الدّهرُ لمّا عرفتُهُ ***** وإني بما تأتي الملمّات أخبرُ
وقال في قصيدته التي يرثي فيها الملك زهير بن جذيمة العبسي :
قسماً بالذي أمات وأحيا ***** وتَوَلّى الأرواح والأجساما
الذي يقصد فيه الله عزّ وجلّ فهو الذي يُحيي ويُميت .
وقال أيضا قي قصيدة يصف فيها حسامه ويذكر فيها الله عزّ جلاله :
ولي من حسامي كل يوم على الثرى ***** نقوش دم تغني الندامى عن الورد ِ
وليسَ يعيب الســــيف أخــلاق غمده ***** إذا كان في يوم الوغى قاطع الحدِّ
فَلِلَّهِ دَرّي كـــمْ غُبــــــار قطعتـــــــه ***** على ضـــامر الجنبين مُعتدلِ القَدِّ
وهنا يُقسمُ بالله عزّ وجلّ في بيت من قصيدة يُرثي تماضر زوجة الملك زهير بن جذيمة :
باللهِ ما بال الأحبّة أعرضت ***** عنا ورامت بالفراقِ صدودها
إن الأخبار عن فروسيّته وشجاعته كثيرة ولم تكن عبثاً عند عنترة ، وإنما هي نتيجــــــة الخبرة الطويلة التي اكتسبها في القتال والتي وأعطته الشهرة . فقيل لعنترة : ( أنت أشجع الناس وأشدّها ؟! قال : لا قيل : فبم إذاً شاع لك هذا في الناس ؟ قال : كنت أقدم إذا رأيت الإقدام عزماً ،وأحجم إذا رأيت الإحجام حزماً ولا أدخل موضعاً لا أرى لي فيه مخرجاً ، وكنت أعتمد الضعيف الجبان فأضربه الضربة الهائلة يطير لها قلب الشجاع ، فأثني علية فأقتله )
لقد بلغ من شهرة عنترة في فروسيّته أن هابته الفرسان والأبطال ، وحســبت له حساباً ،وخافت على حياتها منه ، وهذا ما قال عنه الفرس الشجاع عمرو بن معد يكرب : ( ما أبالي من لقيت من فرســـان العرب ما لم يلقني حراها وهيجانها ) ، ويقصـــد بالحرين " عامر بن الطفيل وعتبة بن الحارث " وبالهجينين " عنترة والسليك بن السلكة " . والفروســــية عند عنترة كثيـــرة الجوانب والمظاهر ، فهو لا يضع فروسيّته وشجاعته دائماً في خدمة قبيلته ، بل قد يجعل في خدمة غيرها ، إذا اضطرته إلى ذلك الظروف وقد يعدل عن القتال إلى التهديد والوعيد ونقرأ ذلك في الكثيـــر من قصائده ، وقد يجمع إلى صفة البطولة صفات أخرى تُتَمّم صورة البطل الفارس وكانت معظم قصائد عنترة التهديد والوعيد لأعدائه ووصف الوقعات والمعـــــارك التي نقع بين عبس والقبائل الأخرى مثل طئ وبني زبيد والعجم ووعامر وبني حريقة وغـــــيرهم وطبعاً لا تخلو قصيدة من قصائده إلاّ ويذكر فيها عبلة . ولشــهرته في الفروسية كُتِبَت عنه السِـيَرْ المعروفة بسيرة عنترة (2) فلا يسـع المجال هنا لذكرها بالتفصيل . وقبل أن نتـرك حديثنا عن فروسيّته لا بدّ أن نتطرّق للحديث عن أفراسه ، لما لها من صـلة بوجود عنترة فارساً وبطلاً ، فقد ذكــــر هذه الأفراس في قصائده :
فأوّل أفراسه الأبجر ، فقال فيه :
لا تَعْجَلي . أشدد حزامَ الأبْجَرِ ***** إني إذا الموتُ دنا لَمْ أضْجَرِ
( ولم أُمنِّ النَّفْسَ بالتأخّرِ )
وثاني أفراسه الأدهم وهو من خيل غطفان بن سعد ، فقال فيه :
يدعون عَنْتَرَ والرِماحُ كأنّها ***** أشطانُ بئرٍ في لَبانِ الأدْهَمِ
وثالث أفراسه الأغَرّ ، فهذا عنترة يذكره وإحسانه إليه :
أراه أهْلَ ذلك حين يَسْعى ***** رعاءُ الناسِ في طَلَبِ الحَلوبِ
فيخفقُ مَرَّةً ويفيد أُخـرى ***** ويفجـــع ذا الضــغائِنِ بالأريبِ
إن الحديث عن زواج عنترة أمر معجب ، فالذين ترجموا للشــــاعر كابن قتيبة والأصمعي وان الكلبي ، والمفضل وابن حبيب وأبي عبيدة ، لم بتطرّقوا لأمر زواجـــــه ، ربما كانوا يرون هذه الناحية من الأمور البسيطة وركّزوا اهتمامهم على شعره . لكن هناك بعض النصوص تذكر أمر زواجه . منها عند أبي هلال العسكري في كتابه ( ديوان المعاني ) عندما ذكر خبر اتنزاع عنترة لحريته فقال : ( فاستلحقه أبوه وزوّجه عمّه عبلة ابنته ) وهذا السـيوطي ينقل قول عم عنتـــــرة : ( إنّك ابن أخي وقد زوّجتك ابنتي عبلة ) وفي مصدر ثلث نقله الميداني على لســــان والد عنترة وهو (قال له كرّ وقد زوّجتك عبلة فكرَّ وأبلى ، ووفى له أبوه بذلك فزوّجه عبلة) من تلك الأقوال التي ذكرناها يظن المرء أن عنتــــرة تزوّج عبلة ، لولا أننا نجد في إحدى قصــائده أنه لا يزال متعلّقاً بعبلة ولا يزال يُنشدها الهوى ويطلب ودّها فيقول :
لا تصرميني يا عُبَيْل وراجعي ***** فِيَّ البصـيرةَ نظرةَ المُتأمِّلِ
فلربَّ أمــــلحَ منك دلاً فاعلمي ***** وأقرَّ في الدنيا لعينِ المُجْتَلي
وَصَلَتْ حِبالي بالذي أنا أهْلُـــهُ ***** مِنْ وُدِّها وأنا رَخِيُّ المِطْوَلِ
كانت امراة من بيت كندة سألته يوماً أن يُقيمَ معها في ديار قومها ووعدته بأن تزوّجه بمن يريد من بناتها فقال هذه الأبيات التي أنشدتها المطربة فيروز :
لو كان قلبي معي ما اخترتُ غيركم ***** ولا رضيتُ سِواكم في الهوى بدلا
لكـــــنه راغــــبُ في مــن يُعَــــذّبه ***** فليس يقبـــــل لا لومـــــاً ولا عذلا
أحب عنترة عبلة بنت عمه مالك بن قراد العبسي ، وكانت من أجمل نساء قومها في نضــارة الصبا وشرف الأرومة ، وكان عمه قد وعده بها ولكنه لم يف بوعده، وإنمـــا كان يتنقل بها في قبائل العرب ليبعدها عنـــه. وحب عبلة كان له تأثير عظيم في نفس عنترة وشـــعره، وهي التي صيرته بحبها، ذلك البطل المغامر في طلب المعالي، وجعلته يزدان بأجمل الصــــفات وأرفعها، والتي رققت شعره كما رققت عاطفته، ونفحته بتلك العذوبة، وكان سبب تلك المرارة واللوعـــة اللتين ربما لم تكونا في شعره لولا حرمانه إياها.وجاء ذكر زواجهمن عبلة في كتــــاب ( ديوان عنتر ) إصدار مكتبة الجامعة ببيروت بما يلي : ( وكان يهوى ابنة عمه عبلة بنت مالك بن قراد وكثيراً ما يذكرها في شعره حتى لا تكاد قصيدة له من ذكرها وكان أبوها يمنعه من زواجها فهام بها واشتدّ وجده ثم تزوّج بها بعد جهد طويل ومات عنها فعاشت بعده زمناً يسيراً ) .
فيبقى عدم زواج عنترة من عبلة . هو أمر معقول ، وهناك رأي آخر بزواجه من امــرأة أخرى من بجيلة ، وقصة هذا الزواج غير معروفة إلا أن ابن السكيت يقول ( كان لعنترة امرأة بخيلة ، لا تزال تلومه في فرس كان يؤثره بالغبوق ـ وهو شرب العشي ـ في قوله :
لا تذكري فَرَسي وما أطْعَمْتُه ***** فيكون جلدُكِ مثلَ جِلدِ الأجْرَبِ
إن الْغبوقَ له وأنت مســـوءة ***** فتأوّهي ما شــــئتِ ثم تَحَـــوَّبي
كذب العتيقُ ومــاءُ شَنٍّ بارِدٍ ***** إن كنتِ ســائلتي غَبوقاً فاذهبي
فالأصمعي وأبو عبيدة ينكران كون هذه الأبيات لعنترة ويجعلانها لخزز بن لوزان ( شاعر جاهلي ) فضلاً عن معانيه التي لا تتناسب مع طريقة محادثة عنترة للمرأة ، وعلى الأرجح أن عنترة قد تزوّج بمحض طبيعة الحياة القبلية آنذاك ، ولكنه لم يتزوّج عبلة على التخصيص .
إن كتب الأدب والأخبار قد خلت تقريباً من ذكر وجود أولاد لعنترة أو إذا وُجِدوا لم يكن لهم أيّة مكانة . ونجد أن كل من الأب لويس شيخو في ( شعراء النصرانية ) ومكتبة الجامعة في بيروت التي أصدرت عام 1893 ( ديوان عنتر) ذكرا أن عنترة بلغه أسْر ولديه غصوب وميســــرة مع صديقه عروة بن الورد (أمير الصعاليك ت616م) من بني عبس في اليمن بحصن العقاب فخرج يريد خلاصهم وقال في ذلك :
أحرقني نـــــار الجــوى والبعادِ ***** بعد فقد الأوطــــان والأولادِ
شابَ رأسي فصــار أبيض لونِ ***** بعد ما كان حالكاً بالســـــوادِ
وتذكّــــرت عبلــةً يوم جـــاءتِ ***** لوداعـي والهـمّ والوجـد بــادِ
وهي تذري من خيفة البعد دمعاً ***** مســـــتهلاً بلوعـــةٍ وسُـــهادِ
قلت كفّي الدّمـــــوع عنك فقلبي ***** ذاب حزناً ولوعتي في ازدياد
ويح هذا الزمــــان كيف رماني ***** بسهامٍ أصــابت صميم فؤادي
قلَّ صبري على فراقِ غصوبٍ ***** وهو قد كان عدّتي واعتمادي
وكذا عــــروةٌ وميســرةٌ حـــــا ***** مي حمانا عند اصطدامِ الجيادِ
لأفُكْنَ أســــرهم عن قريـــــبِ ***** من أيـــادي الأعـــدا والحُسّـادِ
عاش عنترة من العمر تسعين عاماً وتوفّي قتيلاً قبل ظهور الإسلام بـ 7 سنوات أي في عام 615 م . واختلفوا بقاتله والأصحّ أن قاتله ( وزر بن جابر النبهاني ) الملقّب بالأسد الرهيص ، وذلك أن عنترة كان قد أغار على بني نبهان فأطرد لهم طريدة وهو إذ ذاك شيخ كبير وكان وزر بن جابر في فتوة فرماه بسهم مســـموم وقال خذها وأنا ابن سلمى فقطع صلبه ( ظهره ) فتحامل بالرمية حتى أتى أهله مجروحاً وهو يقول :
وإن ابن سلمى عنده فاعلموا دمي ***** وهيهات لا يُرجى ابن سلمى ولا دمي
رمـــــاني ولم يدهش بأزرق لهذَمٍ ***** عشــــــيةَ حَلوا بين نعْـــفِ ومخْــــرمِ
وفي رواية أخرى : فبعد أن أحسّ أنه ميت لا محالة، فاتخذ خطة المناضل - حتى بعد مماته - فظل ممتطيًا صهوة جواده، مرتكزًا على رمحه السمهري، وأمر الجيش بأن يتراجع القهقـــرى وينجو من بأس الأعداء، وظل في وقفته تلك حاميًا ظهر الجيش والعدو يبصر الجيش الهارب ، ولكنه لا يستطيع اللحاق به لاستبسال قائده البطل في الذود عنه ووقوفه دونه ، حتى نجا الجيش وأسلم عنترة الروح ، باقيًا في مكانه ، متكئًا على الرمح فوق جواده الأبجر.
مقتطفـــــات من أعمــــاله :
1 ـ أول ما نبدأ ذكر أعماله هي معلّقته الشهيرة ،وهو من أصحاب المعلّقات (3) فقد بدأ عنترة حياته الأدبية شاعراً مقــلاً حتى عيّره رجل من بني عبس بسواده وسواد أمّه وإخوته وبأنّه لا يقول الشعر ، فردّ عنترة عن نفسه وابتدر بنشر المعلّقة فصار بعدها من فطاحل الشعراء . والمعلقة على بحر الكامل وعــدد أبيتها يتراوح بين 75 و 69 بيتاَ حسب المصدر الواردة فيه ، ننشرها بأبيات عددها 75 بيتاً :
هَلْ غَادَرَ الشُّعَرَاءُ منْ مُتَـرَدَّمِ = أم هَلْ عَرَفْتَ الدَّارَ بعدَ تَوَهُّـمِ
يَا دَارَ عَبْلـةَ بِالجَواءِ تَكَلَّمِـي = وَعِمِّي صَبَاحاً دَارَ عبْلةَ واسلَمِي
فَوَقَّفْـتُ فيها نَاقَتي وكَأنَّهَـا = فَـدَنٌ لأَقْضي حَاجَةَ المُتَلَـوِّمِ
وتَحُـلُّ عَبلَةُ بِالجَوَاءِ وأَهْلُنَـا = بالحَـزن ِ فَالصَّمَـانِ فَالمُتَثَلَّـمِ
حُيِّيْتَ مِنْ طَلَلٍ تَقادَمَ عَهْـدُهُ = أَقْـوى وأَقْفَـرَ بَعدَ أُمِّ الهَيْثَـمِ
حَلَّتْ بِأَرض الزَّائِرينَ فَأَصْبَحَتْ = عسِراً عليَّ طِلاَبُكِ ابنَةَ مَخْـرَمِ
عُلِّقْتُهَـا عَرْضاً وأقْتلُ قَوْمَهَـا = زعماً لعَمرُ أبيكَ لَيسَ بِمَزْعَـمِ
ولقـد نَزَلْتِ فَلا تَظُنِّي غَيْـرهُ = مِنّـي بِمَنْـزِلَةِ المُحِبِّ المُكْـرَمِ
كَـيفَ المَزارُ وقد تَربَّع أَهْلُهَـا = بِعُنَيْـ زَتَيْـنِ وأَهْلُنَـا بِالغَيْلَـمِ
إنْ كُنْتِ أزْمَعْتِ الفِراقَ فَإِنَّمَـا = زَمَّـت رِكَائِبُكُمْ بِلَيْلٍ مُظْلِـمِ
مَـا رَاعَنـي إلاَّ حَمولةُ أَهْلِهَـا = وسْطَ الدِّيَارِ تَسُفُّ حَبَّ الخِمْخِمِ
فِيهَـا اثْنَتانِ وأَرْبعونَ حَلُوبَـةً = سُوداً كَخافيةِ الغُرَابِ الأَسْحَـمِ
إذْ تَسْتَبِيْكَ بِذِي غُروبٍ وَاضِحٍ = عَـذْبٍ مُقَبَّلُـهُ لَذيذُ المَطْعَـمِ
وكَـأَنَّ فَارَةَ تَاجِرٍ بِقَسِيْمَـةٍ = سَبَقَتْ عوَارِضَها إليكَ مِن الفَمِ
أوْ روْضـةً أُنُفاً تَضَمَّنَ نَبْتَهَـا = غَيْثٌ قليلُ الدَّمنِ ليسَ بِمَعْلَـمِ
جَـادَتْ علَيهِ كُلُّ بِكرٍ حُـرَّةٍ = فَتَرَكْنَ كُلَّ قَرَارَةٍ كَالدِّرْهَـمِ
سَحّـاً وتَسْكاباً فَكُلَّ عَشِيَّـةٍ = يَجْـرِي عَلَيها المَاءُ لَم يَتَصَـرَّمِ
وَخَلَى الذُّبَابُ بِهَا فَلَيسَ بِبَـارِحٍ = غَرِداً كَفِعْل الشَّاربِ المُتَرَنّـمِ
هَزِجـاً يَحُـكُّ ذِراعَهُ بذِراعِـهِ = قَدْحَ المُكَبِّ على الزِّنَادِ الأَجْـذَمِ
تُمْسِي وتُصْبِحُ فَوْقَ ظَهْرِ حَشيّةٍ = وأَبِيتُ فَوْقَ سرَاةِ أدْهَمَ مُلْجَـمِ
وَحَشِيَّتي سَرْجٌ على عَبْلِ الشَّوَى = نَهْـدٍ مَرَاكِلُـهُ نَبِيلِ المَحْـزِمِ
هَـل تُبْلِغَنِّـي دَارَهَا شَدَنِيَّـةَ = لُعِنَت ْ بِمَحْرُومِ الشَّرابِ مُصَـرَّمِ
خَطَّـارَةٌ غِبَّ السُّرَى زَيَّافَـةٌ = تَطِـسُ الإِكَامَ بِوَخذِ خُفٍّ مِيْثَمِ
وكَأَنَّمَا تَطِـسُ الإِكَامَ عَشِيَّـةً = بِقَـريبِ بَينَ المَنْسِمَيْنِ مُصَلَّـمِ
تَأْوِي لَهُ قُلُصُ النَّعَامِ كَما أَوَتْ = حِـزَقٌ يَمَانِيَّةٌ لأَعْجَمَ طِمْطِـمِ
يَتْبَعْـنَ قُلَّـةَ رأْسِـهِ وكأَنَّـهُ = حَـرَجٌ على نَعْشٍ لَهُنَّ مُخَيَّـمِ
صَعْلٍ يعُودُ بِذِي العُشَيرَةِ بَيْضَـةُ = كَالعَبْدِ ذِي الفَرْو الطَّويلِ الأَصْلَمِ
شَرَبَتْ بِماءِ الدُّحرُضينِ فَأَصْبَحَتْ = زَوْراء َ تَنْفِرُ عن حيَاضِ الدَّيْلَـمِ
وكَأَنَّما يَنْأَى بِجـانبِ دَفَّها الـ = وَحْشِيِّ مِنْ هَزِجِ العَشِيِّ مُـؤَوَّمِ
هِـرٍّ جَنيبٍ كُلَّما عَطَفَتْ لـهُ = غَضَبَ اتَّقاهَا بِاليَدَينِ وَبِالفَـمِ
بَرَكَتْ عَلَى جَنبِ الرِّدَاعِ كَأَنَّـما = بَرَكَتْ عَلَى قَصَبٍ أَجَشَّ مُهَضَّمِ
وكَـأَنَّ رُبًّا أَوْ كُحَيْلاً مُقْعَـداً = حَشَّ الوَقُودُ بِهِ جَوَانِبَ قُمْقُـمِ
يَنْبَاعُ منْ ذِفْرَى غَضوبٍ جَسرَةٍ = زَيَّافَـةٍ مِثـلَ الفَنيـقِ المُكْـدَمِ
إِنْ تُغْدِفي دُونِي القِناعَ فإِنَّنِـي = طَـبٌّ بِأَخذِ الفَارسِ المُسْتَلْئِـمِ
أَثْنِـي عَلَيَّ بِمَا عَلِمْتِ فإِنَّنِـي = سَمْـحٌ مُخَالقَتي إِذَا لم أُظْلَـمِ
وإِذَا ظُلِمْتُ فإِنَّ ظُلْمِي بَاسِـلٌ = مُـرٌّ مَذَاقَتُـهُ كَطَعمِ العَلْقَـمِ
ولقَد شَربْتُ مِنَ المُدَامةِ بَعْدَمـا = رَكَدَ الهَواجرُ بِالمشوفِ المُعْلَـمِ
بِزُجاجَـةٍ صَفْراءَ ذاتِ أَسِـرَّةٍ = قُرِنَتْ بِأَزْهَر في الشَّمالِ مُقَـدَّمِ
فإِذَا شَـرَبْتُ فإِنَّنِي مُسْتَهْلِـكٌ = مَالـي وعِرْضي وافِرٌ لَم يُكلَـمِ
وإِذَا صَحَوتُ فَما أَقَصِّرُ عنْ نَدَىً = وكَما عَلمتِ شَمائِلي وتَكَرُّمـي
وحَلِـيلِ غَانِيةٍ تَرَكْتُ مُجـدَّلاً= تَمكُو فَريصَتُهُ كَشَدْقِ الأَعْلَـمِ
سَبَقَـتْ يَدايَ لهُ بِعاجِلِ طَعْنَـةٍ = ورِشـاشِ نافِـذَةٍ كَلَوْنِ العَنْـدَمِ
هَلاَّ سأَلْتِ الخَيـلَ يا ابنةَ مالِـكٍ = إنْ كُنْتِ جاهِلَةً بِـمَا لَم تَعْلَمِـي
إِذْ لا أزَالُ عَلَى رِحَالـةِ سَابِـحٍ = نَهْـدٍ تعـاوَرُهُ الكُمـاةُ مُكَلَّـمِ
طَـوْراً يُـجَرَّدُ للطَّعانِ وتَـارَةً = يَأْوِي إلى حَصِدِ القِسِيِّ عَرَمْـرِمِ
يُخْبِـركِ مَنْ شَهَدَ الوَقيعَةَ أنَّنِـي = أَغْشى الوَغَى وأَعِفُّ عِنْد المَغْنَـمِ
ومُـدَّجِجٍ كَـرِهَ الكُماةُ نِزَالَـهُ = لامُمْعـن ٍ هَـرَباً ولا مُسْتَسْلِـمِ
جَـادَتْ لهُ كَفِّي بِعاجِلِ طَعْنـةٍ=بِمُثَقَّـف ٍ صَدْقِ الكُعُوبِ مُقَـوَّمِ
فَشَكَكْـتُ بِالرُّمْحِ الأَصَمِّ ثِيابـهُ = ليـسَ الكَريمُ على القَنا بِمُحَـرَّمِ
فتَـركْتُهُ جَزَرَ السِّبَـاعِ يَنَشْنَـهُ = يَقْضِمْ ـنَ حُسْنَ بَنانهِ والمِعْصَـمِ
ومِشَكِّ سابِغةٍ هَتَكْتُ فُروجَهـا = بِالسَّيف عنْ حَامِي الحَقيقَة مُعْلِـمِ
رَبِـذٍ يَـدَاهُ بالقِـدَاح إِذَا شَتَـا = هَتَّـاكِ غَايـاتِ التَّجـارِ مُلَـوَّمِ
لـمَّا رَآنِي قَـدْ نَزَلـتُ أُريـدُهُ = أَبْـدَى نَواجِـذَهُ لِغَيـرِ تَبَسُّـمِ
عَهـدِي بِهِ مَدَّ النَّهـارِ كَأَنَّمـا = خُضِـبَ البَنَانُ ورَأُسُهُ بِالعَظْلَـمِ
فَطعنْتُـهُ بِالرُّمْـحِ ثُـمَّ عَلَوْتُـهُ = بِمُهَنّدٍ صافِي الحَديدَةِ مِخْـذَمِ
بَطـلٌ كأَنَّ ثِيـابَهُ في سَرْجـةٍ = يُحْذَى نِعَالَ السِّبْتِ ليْسَ بِتَـوْأَمِ
ياشَـاةَ ما قَنَصٍ لِمَنْ حَلَّتْ لـهُ = حَـرُمَتْ عَلَيَّ وَلَيْتَها لم تَحْـرُمِ
فَبَعَثْتُ جَارِيَتي فَقُلْتُ لها اذْهَبـي = فَتَجَسَّسِ ي أَخْبارَها لِيَ واعْلَمِـي
قَالتْ : رَأيتُ مِنَ الأَعادِي غِـرَّةً = والشَاةُ مُمْكِنَةٌ لِمَنْ هُو مُرْتَمـي
وكـأَنَّمَا التَفَتَتْ بِجِيدِ جَدَايـةٍ = رَشَـاءٍ مِنَ الغِـزْلانِ حُرٍ أَرْثَـمِ
نُبّئـتُ عَمْراً غَيْرَ شاكِرِ نِعْمَتِـي = والكُـفْر ُ مَخْبَثَـةٌ لِنَفْسِ المُنْعِـمِ
ولقَدْ حَفِظْتُ وَصَاةَ عَمِّي بِالضُّحَى = إِذْ تَقْلِصُ الشَّفَتَانِ عَنْ وَضَحِ الفَمِ
في حَوْمَةِ الحَرْبِ التي لا تَشْتَكِـي = غَمَـرَات ِها الأَبْطَالُ غَيْرَ تَغَمْغُـمِ
إِذْ يَتَّقُـونَ بـيَ الأَسِنَّةَ لم أَخِـمْ = عَنْـها ولَكنِّي تَضَايَقَ مُقْدَمـي
لـمَّا رَأيْتُ القَوْمَ أقْبَلَ جَمْعُهُـمْ = يَتَـذَا مَرُونَ كَرَرْتُ غَيْرَ مُذَمَّـمِ
يَدْعُـونَ عَنْتَرَ والرِّماحُ كأَنَّهـا = أشْطَـانُ بِئْـرٍ في لَبانِ الأَدْهَـمِ
مازِلْـتُ أَرْمِيهُـمْ بِثُغْرَةِ نَحْـرِهِ = ولِبـانِهِ حَتَّـى تَسَـرْبَلَ بِالـدَّمِ
فَـازْوَرَّ مِنْ وَقْـعِ القَنا بِلِبانِـهِ = وشَـكَا إِلَىَّ بِعَبْـرَةٍ وَتَحَمْحُـمِ
لو كانَ يَدْرِي مَا المُحاوَرَةُ اشْتَكَى = وَلَـكانَ لو عَلِمْ الكَلامَ مُكَلِّمِـي
ولقَـدْ شَفَى نَفْسي وَأَذهَبَ سُقْمَهَـا = قِيْلُ الفَـوارِسِ وَيْكَ عَنْتَرَ أَقْـدِمِ
والخَيـلُ تَقْتَحِمُ الخَبَارَ عَوَابِسـاً = مِن بَيْنَ شَيْظَمَـةٍ وَآخَرَ شَيْظَـمِ
ذُللٌ رِكَابِي حَيْثُ شِئْتُ مُشَايعِي = لُـبِّي وأَحْفِـزُهُ بِأَمْـرٍ مُبْـرَمِ
ولقَدْ خَشَيْتُ بِأَنْ أَمُوتَ ولَم تَـدُرْ= للحَرْبِ دَائِرَةٌ على ابْنَي ضَمْضَـمِ
الشَّـاتِمِيْ عِرْضِي ولَم أَشْتِمْهُمَـا = والنَّـاذِرَيْـنِ إِذْ لَم أَلقَهُمَا دَمِـي
إِنْ يَفْعَـلا فَلَقَدْ تَرَكتُ أَباهُمَـا = جَـزَرَ السِّباعِ وكُلِّ نِسْرٍ قَشْعَـمِ
2 ـ قال عنترة في صباه يصف ابنة عمه عبلة بنت مالك وكان مغرماً بها :
رمـــت الفؤادَ مليحة عـــذراءُ ***** بســهامِ لحظٍ ما لهُــــنَّ دواءُ
مـــرت أوان العيد بين نواهــد ***** مثل الشموسِ لحاظِهِّنَّ ظباءُ
ورنت فقلت غزالة مذعــــورة ***** قد راعها وسط الفلاة بــلاءُ
وبدت فقلت البــــدر ليـــلة تمه ***** قد قلّدته نجومها الجــــوزاءُ
بسمت فلاح ضياءُ لؤلؤِ ثغرها ***** فيه لداءِ العاشــــقين شـــفاءُ
سجدت تعظـــــم ربها فتمايلت ***** لجـــلالها أربابنا العظمـــاءُ
يا عبلَ مثلُ هواكِ أو أضـعافه ***** عندي إذا وقع الاياس رجاءُ
إن كان يسعدني الزمان فإنّني ***** في همّتي لصــــروفه إزراءُ
3 ـ وكان في بعض أسفاره مع الأمير شأس بن زهير فرأى في المنام طيف عبلة فاستفاق حائراً مدهوشاً وقال في ذلك :
زار الخيال خيال عبلة في الكرى ***** لمتيّم نشوان محلول العــــــرى
فنهضتُ أشـــــكو ما لقيت لبعدها ***** فتنفست مسـكاً يُخالِط عنبــــــرا
عربيـــــةً يهتــــــزُ لين قوامــــها ***** فتخاله العشّاق رمحاً أســــــتمرا
وكشــــفت برقعها فأشرق وجهها ***** حتى أعاد الليل صبحاً مســـــفرا
يا عبلَ أن هواكِ قد جـــاز المدى ***** وأنا المعنى فيكِ من دون الورى
4 ـ وقال في إغارته على بني عامر :
سَـلي يا عبْلَ عَنَّا يوْمَ زُرْنا ***** قبائلَ عامـــر وَبَني كِــــــلابِ
وَكَم من فارسٍ خليْت مُلْقى ***** خضيبَ الراحتينِ بلا خِضابِ
يُحَرِّكُ رِجــــله رعباً وفيه ***** ســــنان الرّمحِ يَلْمَعُ كالشّهابِ
قتلنــــا منهمُ مئَتينِ حُـــرّا ***** وألفاً في الشّعاب وفي الهضابِ
5 ـ وقال يمدح الملك كسرى أنو شروان :
يا أيهـــــا الملك الذي راحاتــــهُ ***** قامت مقام الغيث في أزمانهِ
يا قبلة القصــــاد يا تاج العُــــلا ***** يا بدر هذا العصر في كيوانهِ
يا خاجِلاً نوَ الســــّماءِ بجــــودهِ ***** يا مُنقذ المحزون من أحزانه ِ
ملكٌ حوى رتب المعــــالي كلّها ***** بســــموّ مجدٍ حلَّ في إيوانهِ
ملكٌ إذا ما جــــــال في يومِ اللقا ***** وقف العدوّ محيراً في شانهِ
والنصر من جلسائه دون الورى ***** والسعد والاقبال من أعوانهِ
فلا شكرن صنيــــعهُ بين الورى ***** وأطاعن الفرسان في ميدانهِ
6 ـ وقال يرثي الملك زهير بن جذيمة العبسي :
خُسِــفَ البَدْرُ حيـــنَ كانَ تماما ***** وخَفِي نورهُ فعاد ظلامـــا
وَدَرَاري النجومِ غارت وغابتْ ***** وضِياءُ الآفاقِ صارَ قَتاما
حين قالــــوا زُهَيْـــر ولّى قتيلا ***** خيّمَ الحـــزنُ عندنا وأقاما
قد ســــــقاهُ الزّمـــــانُ كأس حِمامٍ ***** وكذاك الزمانُ يسقي الحمــاما
قســــماً بالـــــــذي أمــــات وأحيا ***** وتَــــوَلّى الأرواح والأجســـاما
لا رفعتُ الحسامَ في الحربِ حتّى ***** أترُك القوْم في الفياــــفي عظاما
يا بني عامـــــر ستلقــــون بـــرقاً ***** من حُسامي يجري الدّماء سحاما
وَتَضجُّ النســــــاء من خيفة السّبي م وتبكي على الصّـــــغار اليتامــى
7 ـ وهنا يفتخر ويعتَزّ بنفْسه فيقول :
أنا العبدُ الذي بديـــــــارِ عبس ***** ربيتُ بعِـــزَّةِ النفْس الأبيّه
سلوا النّعمانَ عنّي يوْمَ جاءتْ ***** فوارس عُصْبةِ النَّار الحميّه
أقمتُ بِصارمي ســـوق المنايا ***** ونِلْتُ بذابلي الرُّتبِ العاليه
============
12/12/2013 المهندس جورج فارس رباحية
المفــــــــــــردات :
(1) ـ حرب داحس والغبراء :هي حرب من حروب الجاهليـــــة كانت بين قبيلتي بين عبس وذبيان .و داحس والغبراء: هما اسما فرسين و قد كان " داحس" حصانا لـ قيس بن زهير ، و " الغبراء " فرسا لـ حمل بن بدر .اتفق قيس و حمل على رهان قدره مائة من الإبل لمن يسبق من الفرسين. كانت المسافة كبيرة تستغرق عدة ايام تقطع خلالها شعب صـــحراوية وغابات, أوعز حمل ابن بدر نفر من أتباعه يختبئوا في تلك الشعاب قائلا لهم : إذا وجدتم داحس متقدما على الغبراء في السباق فردوا وجهه كي تسبقه الغبراء فلما فعلوا تقدمت (الغبراء) حينــــــما تكشف الأمر بعد ذلك اشتعلت الحرب بين عبس وذبيان التي عرفت باسم (داحس و الغبراء)دامت تلك الحرب أربعين سنة وهي الحرب التي أظهرت قدرات عنترة بن شداد القتالية. بدأت في منتصف القرن السادس الميلادي أي حوالي عام 550 م .
(2) ـ سيرة عنترة : قيل أنه نشأ بمصر رجل من أفاضــــل الرواة يُقال له الشـــــــيخ يوسف بن اسماعيل وكان بتصل بباب العزيز بالقاهرة . فاتفق أن حدثت ريبة في دار العزيز ولهجت الناس بها في المنازل والأسواق فساء العزيز ذلك وأشار إلى الشيخ يوسف أن يطرف الناس بما عساه أن يُشغلهم عن هذا الحديث . وكان الشيخ يوسف واسع الرواية في أخبار العرب ، كثيــر النوادر والأحاديث . وكان قد أخذ روايات شتّى عن أبي عبيدة ونجد بن هشام وجُهينة اليمــــاني المُلَقّب بجُهينة الأخبار وعبد الملك بن قريب المعروف بالأصمعي وغيرهـــم من الـــرواة . فأخذ يكتب قصة لعنترة ويوزّعها على الناس فأُعْجِبوا بها واشتغلوا عما سواها .ومن تلطّفه في الحيـــلة أنه قسّمها إلى اثنين وسبعين كتاباً ، والتزم في آخر كل كتاب أن يقطع الكلام عند معظم الأمر الذي يشتاق القارئ إلى الوقوف على تمامه فلا يفترعن طلب الكتاب الذي يليه ، فإذا وقف عليه انتهى بهِ إلى مثل ما انتهى الأول ، وهكذا إلى نهاية القصة . وقد أثبت في هذه الكتب ما وردَ من أشعار العرب المذكورين فيها . غير أنه لكثرة تداول الناسخين لها ، فسدت روايتها بما وقــــع فيها من الأغلاط المكرّرة بتكرار النسخ . وتتشابه هذه السيرة مع السيرة الهلالية وسيرة الظاهر بيبرس
(3) ـ المعلّقات :هي من أجمل صور الشعر الجاهلي وأعذبه وكان ( حماد الراوية ) أوّل من جمعها في أواخر عصـــــر بني أميّة في الشــام ( 660 ـ 750 ) م وأواخر العصــــر العباسي ( 750 ـ 1258 ) م وأصــــحاب المعلّقات هم : امرؤ القيس ـ طرفة بن العبد ـ زهير بن ابي سّلمى ـ لبيد بن أبي ربيعة ـ عمرو بن كلثوم ـ عنتـــرة بن شدّاد ـ الحارث بن حلزة ـ النابـــغة الذبياني ـ الأعشى الأكبر ـ عبيد بن الأبرص إن تسميتها بالمعلّقات أو المُذَهَّبات ، أو السُّـــموط ( العقود ) فمختلف فيه ، إذ قال بعضهم أنّ العــرب لشــدّة إعجابهم بها ، كتبوها بمــاء الذهب ، وعلّقوها على جدران الكـعبة فَسمــِّيت بذلك المُعلَّقات أو المُذهّبات ونفى بعضـــهم تعليقها على جدران الكعبة وزعم آخـرون أنّ حمّاداً الراوية هوالذي جمع القصائد الطِّوال، وقال للناس : هذه هي المشهورات وقال آخرون إنّها سُمِّيَت بذلك لأنها من القصـــائد المســـتجادة التي كانت تُعَلَّق في خـــزائن الملـــوك والراجح اليوم انها سُمِّيَت أيضاً بالمعلَّقـات لتشبيهها بالسّـموط ، أي العقود التي تُعَلَّق بالأعناق ، وقد سُمِّيَت أيضاً بالمذهّبات لأنها جـديرة بأن تُكْتَب بماء الذّهب لنفاستها .
المصــــــادر والمـــــــراجع :
ــ شعراء النصرانية في العصر الجاهلي : الأب لويس شيخو اليسوعي ، بيروت 1890
ــ مجاني الأدب الجزء 6 : الأب لويس شيخو اليسوعي ، بيروت 1888
ــ ديوان عنتر : مكتبة الجامعة ، بيروت 1893
ــ عنترة بن شدّاد : فؤاد افرام البستاني ، سلسلة الروائع . بيروت 1930
ــ ديوان عنترة : محمد سعيد مولوي ، القاهرة 1970
ــ شرح القصائد العشر : الإمام الخطيب التبريزي
ــ شرح المعلّقات العشر : الإمام أبو عبد الله وتحسين الحسين . بيروت 1983
ــ المنجد في اللغة والأعلام : بيروت 1973
ــ مواقع على الإنترنت :
المصدر: منتديات دريكيمو نات DRIKIMO.NET
ukjvm hgufsd
via منتديات دريكيمو نات DRIKIMO.NET http://www.drikimo.net/showthread.php?t=11240&goto=newpost
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire